هذه القصة حقيقية كل أحداثها من الواقع
هذه القصة حقيقية كل أحداثها من الواقع
والله أنها تجعل القلب يتحرك مما فيها من رحمة الله وعلو همة صاحبها وقد نقلتها لكم لتعم الفائدة فلا تنسونا من دعوه صالحه
قال أبو عبد الرحمن :
كانت بداية القصة وأنا أتصفح جريدة من الجرائد اليومية حيث قرأت خبر حادثة شنيعة تحت عنوان جريمة فظيعة هزت الإسكندرية
شاب يقتل أمه لأنها رفضت زواجه من إسرائيلية : وقعت الجريمة في دائرة قسم محرم بك وشاءت الأقدار أن انزل معتقلاً سياسياً في هذا القسم لبضعة أيام ...
والتقيت هذا الشاب فوجدته شابا نحيفا طويل القامة هادئ الطباع وكانت زنزانتي بجوار زنزانته وكان يمر على أثناء ذهابه للوضوء فلفت نظره أنى رجل ملتحي وأقبل إلىّ متلهفا كأنه وجد ضالته..
وقال لي: يا شيخ أنني ارتكبت جرما كبيرا أنني قتلت أمي فهل لي من توبة ؟
فقلت له : يا أخي إن كان ذنبك عظيما فعفو الله عز وجل أعظم والله تبارك وتعالى يقول :
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }[الزمر :53 ] .{
فتهلل وجهه بالفرح..
فقلت له : يا أخي تب إلى الله وأكثر من الاستغفار والدعاء لأمك عسي الله أن يعفو عنها بدعائك فتعفو عنك يوم القيامة فيغفر الله لك ....
وافترقنا على ذلك وذهبت إلى معتقلي وكنت أسكن في عنبر الإعدام .
ومرت الأيام تلو الأيام وفى ذات يوم رأيت هذا الشاب داخلا على العنبر وقد حكم عليه بالإعدام فاعتنقته
وقلت له: هل تذكرني .؟
فقال لي نعم أذكرك جيدا فأنت الذي فتح الله على بك أبواب رحمته وأبشرك بأنني منذ تركتك فإنني مواظب على الدعاء والذكر والاستغفار لأمي عسي الله أن يغفر لي ويرحمني ..
وقد كان كما قال فرأيته شغوفا بذكر الله عز وجل كان مواظبا على قراءة القرآن وكان حريصا على ختمه كل سبعة أيام وما يعلم بشيء من الخير أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وكان من المسارعين إليه وكان حريصا على أن يكون سببا في الحياة الطيبة لأمه في الآخرة كما كان سببا في انقطاع الحياة عنها في الدنيا ...
علم ذات يوم أن من حفظ القران الكريم كاملا شفه في عشرة من أهله يوم القيامة وكسي والده حلة الكرامة فيكرمان على رؤوس الأشهاد يوم القيامة
فقال لي يا شيخ أحق هو ؟؟؟
قلت : حق ورب الكعبة فاجتهد وتوكل على الله ..
فقال لي : وهل من الممكن أن أصل إلى هذه الدرجة.
فقلت له : ولما لا فقد من الله عز وجل على الصحابة فأخرجهم من ظلمات الكفر وهو أعظم من القتل إلى نور الإيمان وهو أكبر الأعمال بل وجعلهم أصحابا لنبيه صلى الله عليه وسلم بل وجعلهم خير أمة أُخرِجت للناس.
فبكي..
وقال : ذنبي كبير يا شيخ ذنبي كبير كبير فانا لم اقتل جارا ولا صاحبا ولا صديقا ولم أقتل إنسانا عاديا (( أنا قاتل أمي )) وانهمرت عيناه بالبكاء .
فقلت له : أخي ابشر بعفو الله { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [ النجم : 32 ]
وماذا يساوى ذنبك في عفو أرحم الراحمين ...
.يا أخي إن الله عز وجل خلق الرحمة مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة فى الدنيا وادخر منها تسعة وتسعين إلى يوم القيامة .
تخيل يا أخي الحبيب برحمة واحدة يتراحم الناس فيما بينهم برحمة واحدة ترفع الفرس حافرها عن ولدها مخافة أن تصيبه ..برحمة واحدة يرزق الله الكافر ويسبغ عليه الكثير من النعم فيطعمه ويسقيه ويكسوه ...كل ذلك برحمة واحدة يا أخي .
فتخيل كيف تكون رحمة ربك في يوم يتطاول فيه الشيطان بعنقه طمعا في هذه الرحمة ..
أتدري لماذا ؟؟
لأنه رأى عجبا !!
رأى ذنوبا كبيرة عظيمة يغفرها الله عز وجل ولا يبالى .
وسبحان الله ..ما أن سمع هذه الكلمات حتى استنار وجهه ورأيت الفرح والسرور مزينا لوجهه فرحا بالله ..فرحا بعفو الله وساعتها عاهدني أن يحفظ القران حتى يختمه فكان يحفظ كل يوم ربعا من القران أو ربعين وكان يسمعها غيبا وفتح الله عليه فاخذ يقرأ في كتب العلم والعقيدة والسيرة حتى انعم الله عليه بقسط من العلم واستمر على هذه الحال وكان دوما في ازدياد والحمد لله رب العالمين حتى حفظ القران كاملا وكان يقوم به الليل كل أربعة أيام أو خمسة .
وأحيانا كان يقرأ بألف آية في الليل حتى يكون من المقنطرين وصام شهرين متتابعين كفارة القتل ثم بعد ذلك صار يصوم يوما ويفطر يوما فكان صواما قواما ..حتى تمنيت أن أكون على مثل حاله في العبادة والصبر عليها وكان كثيرا ما
يقول لي : كم أنا في شوق إلى ربي عز وجل ؛ كفى بالموت تحفه للمؤمن ؛ يا شيخ أن أعظم يوم في حياتي هو ذلك اليوم الذي ينفذ على فيه حكم الإعدام لأنه يوم اللقاء مع الحبيب يوم الرجوع إلى الغفور الشكور الذي يغفر الكثير من الذلل ويقبل القليل من العمل .
فقلت له : جعلك الله من الصادقين فابشر يا أخي برحمة الله عز وجل وفى آخر يوم له فى الحياة .
قال لي : أنا اشعر بأنني سوف يفرج عنى من سجن الدنيا هذه الأيام فبماذا تنصحني أن أفعله لكي أفوز في هذا اليوم بأفضل الأعمال وأعظم الأجور قلت له أحرص على قول لا إله إلا الله
فإنها أفضل الذكر وأعظم في الميزان من السماوات والأرض.
فقال لي : ما رأيك في أن أكثر من قول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ؟..
فتبسمت...
وقلت له : لقد اخترت دعاء عجبا فأن أوله تهليل وأوسطه تسبيح وآخره اعتراف بالذنب فأكثر منه وأرجو من الله أن يرحمك به وأن يتقبله منك برحمته ولا تنسي أن تصلى ركعتين سنة القتل ولا تفتر عن الذكر والدعاء .
وكان عنده شيء من الطعام الطيب فاستأذن وتركني مسرعا وقال لي أريد أن أفعل شيئا قبل فوات الأوان فأخذ الطعام وتصدق به على إخوانه..
فقلت له : كم بقي من الطعام يا فلان ؟
فقال لي: بقي كله إن شاء الله ...
ثم فارقني وهو يقول لا إله إلا أنت سبحانك أنى كنت من الظالمين وفى عينه نظرات الوداع وكأنه كان يشعر بما ينتظره من أمر الله عز وجل وبعد أن مضى الليل وبرق الفجر ورفع الآذان مجلجلا في أرجاء الكون فاستيقظت لصلاة الفجر واستيقظ هو وكل من حولنا وحانت ساعة الصفر فقطع سكون الصوت صوت خطوات كثيرة مسرعة تتجه نحو حجرة صاحبي ففتحوا عليه الباب في خفة الطيور فوجدوه وقد فرغ من صلاته ممسكا بكتاب ربه يرتل آيات من القران فكان أول قول له حين رآهم لا اله إلا الله ..إنا لله وإنا إليه راجعون ؛ لا إله إلا الله
فقيدوه وأخرجوه وخرج معهم في سكينة وفرح ووقار قد ألهمه الصبر والثبات في لحظة لا يثبت فيها إلا المؤمنون خرج وهو يردد لا إله إلا الله ..وسلم على إخوانه واحدا بعد الآخر وهم يردون السلام ويقولون لا إله إلا الله ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ..
فانطلقوا به إلى المكاتب ومكث هناك ساعة قال لنا من كان معه أنه توضأ فيها وصلى ومكث يذكر الله عز وجل وقد حاول بعض الضباط أن يعطيه طعاما فقال له أنى صائم والحمد لله ؛ فقد كان يصوم ويفطر يوما وكان من فضل الله عز وجل عليه أن جاءه التنفيذ وهو صائم فسبحان أرحم الراحمين ..وفى تمام الساعة السابعة صباحا مر من وراء المبنى الذي نسكن فيه متجها إلى حجرة الإعدام فرأيته ورآني ..
فقال لي : السلام عليكم ورحمة الله .. لا إله إلا الله .
فقلت له : ابشر يا أخي الحبيب بعجائب رحمة
{ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس:58 ]
ثم انطلقوا به إلى حجرة الإعدام ونوافذ حجرات أصحابه تطل على هذه الحجرة بحيث يرون عن قرب معظم مراسم الإعدام ويرونه في آخر لحظات عمره قبل الدخول للتنفيذ فأوصاهم بدوام الطاعة والذكر والثبات على الإسلام حتى الممات ..
وأمرهم أن يقرءوها بترتيل وتدبر لأنه كان يعلم أن الدال على الخير كفاعله ثم استدار إلى أحب إخوانه إليه وقال لا تنس قيام الليل يا فلان ثم سجد شكرا لله عز وجل بعدها لقنه الشيخ ثم هرول إلى الحبل وما هي إلا لحظات حتى فاضت روحه إلى بارئها .
تغمده الله بواسع رحمته ...وكان من فضل الله عليه انه رأى قبل موته بأيام أمه فى رؤيا وهى تقول له: يا بني أعلم أنني راضية عنك .
وهذه من المبشرات له برحمة الله عز وجل ....